1- ومن آدابهم التى رأينا عليها سيدى عبد القادر : تفويضهم أمر المريدين إلى الله تعالى إذا بذل معهم غاية النصح ، ورباهم غاية التربية ، وذلك وراثة محمدية لقوله تعالى {لست عليهم بمسيطر} ، {وما أنت عليهم بجبار} ، والصبر على تربيتهم جدا ، والحلم عليهم عند خروجهم عن الآداب جدا . وقد رأيت سيدى عبد القادر مشهدا ذقت فيه الحكمة التى أشار إليه العلماء من أن الله تعالى لم يرسل نبيا إلا رعى الغنم ، وذلك لشدة انتشار الغنم يمينا ويسارا وميلها الدائم إلى ترك الطريق الجادة إلى غيرها ، ففى هذا المشهد الآتى رأيت المريدين – فما بالك بعامة الناس – كذلك حقا كالغنم الشاردة فى كل وجه ، بحيث لا يمكن أن يجمعها إلا الله وهنا يظهر بحق معنى التفويض لله والتسليم له بأن الجامع والمفرق والموفق لسعى الراعى إنما هو الله وحده . والموقف الذى رأيت فيه هذا المشهد أننا ذهبنا منذ عدة سنوات كما هى العادة سنويا فى أوائل الصيف إلى زيارة سيدى أبى العباس المرسى ومن حوله من الأولياء بالأسكندرية ، وبعد أن نفرغ من الزيارة والغداء يسمح لنا سيدنا الشيخ عبد القادر بوقت يأخذ فيه الكل راحته قبل الرجوع ، ويعطينا موعدا نجتمع فيه للعودة ، وفى الموعد تأخر اثنان منا جدا لأزيد من ساعة ، وكثر اللغط للغاية ، وكلف سيدنا الشيخ بعض الأحباب بالبحث عنهما فذهب أكثر ممن كلفهم فزاد عدد الغائبين ، ثم صار كل واحد يطرح رأيا رأيين ثلاثة كما شاء له الكلام ، ولو كنا مائة فأظن أن لغط الآراء ربما تعدى الألف ، وصار هرج كبير ، وخرج عامتنا عن الأدب إلا ثلاث منا أو أربع ، ولم يلتفت الأغلب لتنبيهات سيدنا الشيخ بعدم الانتشار ، وبلزوم الهدوء والاشتغال بالله ، ورأيت سيدنا الشيخ قد تحلى الصبر التام ، والحلم على الأحباب ، ولم يضجر منهم ، وأكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله ، وحسبى الله ونعم الوكيل ، وينظر إلى وأنظر إليه ونعجب من حال الناس ، وسألنى أكثر من مرة : ما رأيك فى الحال الذى نحن فيه . فابتسم وأسكت ، وينكشف المعنى من ذلك فى باطنى فأنظر إليه فأجده يتبسم . وبعد قرابة الساعتين ظهر هذان الشاردان فأقبلا ومن حولهما من الأحباب يصيحون بهم ، فما زاد سيدنا الشيخ أن تبسم لهما وقال : حمدا لله على السلامة . وصرت أتعجب من هذا المشهد فإن الأحباب فى العادة على غير ذلك السلوك ، وقد سافرت معهم كثيرا ، ومرت بنا مواقف أصعب وأحرج من ذلك ، فلم يقع منهم ما وقع فى ذلك اليوم ، فلله الأمر .
الأربعاء، ٢٤ أكتوبر ٢٠٠٧
الثلاثاء، ٢ أكتوبر ٢٠٠٧
23- ومن آدابهم التى رأينا عليها سيدى عبد القادر : غلبة الزهد والتقشف
ومن آدابهم التى رأينا عليها سيدى عبد القادر : غلبة الزهد والتقشف ، وترك التوسع فى ملاذ الدنيا ، وهذا الأدب من أهم آداب الطريق ، على أن للقوم فى الزهد مشارب مختلفة ، وليسوا فيه على مشرب واحد كما يظن بعض الناس ، فمن الأولياء الذين رأيناهم من لا يبالى بالاتساع فى الدنيا إذا وسعها الله عليهم فيوسعون على أهاليهم ومريديهم ويتأنقون فى الملبس والمأكل لكنهم لا يبالون بها إذا زالت عنهم ولا يتأففون ولا يتضجرون ، وهذا هو محك الزهد الحقيقى : عدم التعلق القلبى بالدنيا . ومنهم من يكون زهده فيها على مشرب سيدنا الشيخ عبد القادر نفعنا الله به من عدم التعلق القلبى بها ، ثم يزيدون على ذلك بأخذ الحد الأدنى منها فيلبسون مثلا الملابس الجميلة اللائقة بحالهم النظيفة الجيدة ، لكن دون التأنق للغاية ، مع قدرتهم على ذلك لكن يدعونه زهدا ويقتصرون على الحد الأدنى منه ، وكذلك يأكلون ويشربون من المطاعم والمشارب ما دون الاتساع والتفنن فى ألوان الطعام وفاخره مع القدرة على ذلك ، لكنهم يدعونه زهدا ويقتصرون منه على الوسط . وكلا المشربين له أصل من السنة النبوية الشريفة ، كما يعلم ذلك من اطلع على أحوال النبى صلى الله عليه وسلم ، وإن كان الأغلب من أحواله صلى الله عليه وسلم الانصراف عن الدنيا وإيثار الفقر على الغنى .
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)